بصفتي مديرًا ماليًا، فإن من صميم مسؤولياتي أن أكون على دراية شاملة بالوضع المالي للشركة لفترة زمنية مستقبلية، وأن أُعدّ السيناريوهات المناسبة لكل احتمال ممكن. لذا، من الضروري أن أُولي اهتمامًا بالغًا بعملية التخطيط المالي، والتي تُعد بمثابة رسم خارطة مالية مستقبلية للشركة، لضمان قدرتها على مواجهة التحديات وتحقيق أهدافها قصيرة ومتوسطة وطويلة الأجل.
وببساطة، أقوم بإعداد التخطيط المالي لتحقيق الأهداف التالية:
1- تحقيق الاستدامة المالية
وذلك بأن تغطي التدفقات المالية الداخلة إلى الشركة (مثل: الإيرادات التشغيلية، الإيرادات الرأسمالية، التحصيلات، عوائد الاستثمارات، التمويل الداخلي أو الخارجي، استرداد الضرائب أو التعويضات أو التسويات) جميع التدفقات الخارجة منها (مثل: المصروفات التشغيلية، سداد الالتزامات، الاستثمارات الرأسمالية، توزيعات الأرباح، مسحوبات الملاك أو الشركاء، المدفوعات الناتجة عن خسائر أو تسويات قانونية). بل وأكثر من ذلك، يجب أن يُحقَّق فائض مالي قدر الإمكان يدعم استمرارية الشركة، ويساعدها على النمو وتحمل الصدمات المستقبلية.
2- التحكّم في المخاطر
وهي من أكثر الجوانب أهمية، إذ يتوجب عليّ كمدير مالي أن أكون على دراية تامة بطبيعة المخاطر المحيطة وكيفية التعامل معها، نظرًا لتنوعها، فقد تشمل: مخاطر السوق، مخاطر الائتمان، مخاطر السيولة، المخاطر التشغيلية، مخاطر الامتثال، المخاطر المتعلقة بالسمعة، والمخاطر التكنولوجية وغيرها.
3- ضمان توفر التمويل اللازم للنمو
سواء كان ذلك للتوسع، أو لشراء أصول، أو لتطوير منتج جديد، أو لتوسيع الطاقة الإنتاجية، أو لتحقيق تحول رقمي من خلال الاستثمار في تقنيات جديدة ومتطورة. والتمويل هنا لا يُنظر إليه كمجرد توفير للسيولة، بل يجب بناء سيناريوهات تمويلية متعددة، مع دراسة مقارنة دقيقة بين العائد المتوقع على الاستثمار وتكلفة هذا التمويل، وتقييم قدرة الشركة على السداد.
وأؤمن بأن “خلطة التمويل الناجح” تتمثل في اختيار نوع التمويل المناسب، في الوقت المناسب، وبأقل تكلفة ممكنة.
4- مواءمة الأهداف التشغيلية مع الأهداف المالية
أي أن الخطة المالية ينبغي أن تكون متناسقة تمامًا مع خطط الإنتاج والمبيعات والمشتريات والصيانة وغيرها من الأقسام التشغيلية، بحيث تنبع من الواقع الفعلي لا من أرقام تنبؤية وهمية. وهذا يتطلب التواصل الدائم مع الإدارات المختلفة، والمشاركة الفعلية في اجتماعات الإنتاج والتشغيل، واستخدام مؤشرات الأداء التشغيلية، وبناء نماذج محاكاة رقمية توضّح أثر قرارات كل قسم على الربحية والسيولة.
وكما أقول دائمًا:
“الخطة المالية، مهما بلغت دقتها، إذا لم تكن مبنية على خطة تشغيل واقعية، فهي مجرد أرقام على ورق.”
خطوات إعداد الخطة المالية تشمل:
-
جمع البيانات المالية (Gathering Financial Data): مثل الميزانيات السابقة، الإيرادات المتوقعة، التكاليف الثابتة والمتغيرة، خطط المبيعات والإنتاج، وتوقعات السوق.
-
تحديد الأهداف (Setting Objectives): لمعرفة الوجهة المستهدفة، كتحقيق أرباح معينة، أو تعزيز رأس المال العامل، أو تقليل الاعتماد على التمويل الخارجي.
-
بناء السيناريوهات (Scenario Building): إذ أن السوق متغير بطبيعته، ومن الضروري إعداد خطة مرنة تتعامل مع احتمالات متعددة، عبر:
-
سيناريو متفائل (Optimistic): بافتراض أفضل الظروف الممكنة.
-
سيناريو متشائم (Pessimistic): يتضمن أسوأ الاحتمالات.
-
وسيناريو واقعي (Base Case): مبني على الأداء الفعلي السابق وظروف السوق الحالية، ويُعتمد عليه كمرجعية أساسية للخطة.
-
-
إعداد التنبؤات المالية (Financial Forecasting): باستخدام أدوات مثل تحليل الاتجاهات والانحدار والنماذج الإحصائية ونسب النمو، بالإضافة إلى الاعتماد الأساسي على برنامج Excel. وتشمل النتائج المتوقعة:
-
قائمة الدخل
-
الميزانية العمومية
-
قائمة التدفقات النقدية
-
-
تقدير الموارد المطلوبة (Estimating Resource Needs): من حيث تحديد مدى الحاجة إلى تمويل إضافي، أو إمكانية الاعتماد على الأرباح المحتجزة، أو مدى الحاجة إلى تسهيلات مصرفية أو قروض.
-
صياغة الخطة النهائية (Developing the Plan): عبر تجميع كافة العناصر في ملف واحد يشمل السيناريوهات، والمخاطر، ومؤشرات الأداء الرئيسية (KPIs)، وخطط التنفيذ الزمني، وتوزيع المسؤوليات.
-
المراجعة والتحديث المستمر (Review & Update): لأن الخطة المالية ليست وثيقة جامدة، بل يجب مراجعتها دوريًا – على الأقل كل ربع سنة – وقد تكون شهرية إذا كانت الشركة تعمل في بيئة ديناميكية أو سوق سريع التغير. أما في حال حدوث طوارئ مثل تقلبات في السوق أو انسحاب عميل رئيسي أو أزمة سيولة، فلابد من مراجعتها فورًا.
ويتم ذلك من خلال:
-
مقارنة الأداء الفعلي بالخطة
-
تحليل الانحرافات
-
عقد اجتماعات مع الإدارات المعنية
-
تحديث التوقعات
-
اتخاذ الإجراءات التصحيحية
-
تعديل الوثائق والخطط المالية وفقًا للمتغيرات
أدوات لا غنى عنها لكل من يعمل في التخطيط المالي:
-
Microsoft Excel: وخاصة أدوات Pivot Tables – Forecast – Solver
-
Power BI أو Google Data Studio: لعرض البيانات والخطط بشكل بصري تفاعلي
-
أنظمة ERP مثل: SAP – Oracle – Zoho – Odoo
-
تحليل السيناريوهات (What-if Analysis)
-
تحليل الحساسية (Sensitivity Analysis)
الخلاصة: المدير المالي المحترف لا ينتظر ما قد يحدث، بل يخطط مسبقًا لما يمكن أن يحدث.
كتب بواسطة: محمد حسن
لا يوجد تعليق